شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها.
إن ثورة المعلومات، والتدفق العلمي، والانترنت، والتكنولوجيا الحديثة بعامة تفرض علينا أن نتحرك بسرعة وفاعلية لنلحق بركب هذه الثورة. لأن من يفقد في هذا السباق العلمي والمعلوماتي مكانته، لن يفقد فقط صدارته، ولكنه يفقد قبل ذلك إرادته، إذ إن الفجوة بينه وبين التكنولوجيا ستكون كبيرة جدا .
و الثورة المعلوماتية الحديثة أرغمتنا على مواجهة هذا التحدي، والتعامل مع معطياتها ، لتمكين أبنائنا من العيش مواكبين لكل ما يحدث في هذا القرن من متغيرات، وكذلك التعامل مع آليات العصر الحديثة ، واستثمار الوقت الاستثمار الجديد النافع ، والقدرة على التكييف في الظروف المحيطة .
أما اليوم فيجتاح العالم ثورة جديدة يطلق عليها اسم " الموجة الثالثة " وهي مزيج من التقدم التكنولوجي المذهل والثورة المعلوماتية الفائقة ، والتي أدت إلى وجود ثورة جديدة في مرحلة تالية للثورة الزراعية والثورة الصناعية ، وهذه الثورة تتميز بأنها ذات طبيعة اقتحامية وتحويلية ، أي أنها تقتحم المجتمعات سواء أكانت بحاجة إليها أم غير راغبة فيها ، وذلك من خلال ما تقدمه من جديد. وغالباً ما تكون التكنولوجيا الأحدث أحسن أداءً وأرخص سعراً وأصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر تقدماً وتعقيداً من سابقتها. كما أن المعرفة والمعلومات اللازمة لإنتاجها أكثر كثافة، وتتطلب ارتفاعاً متزايداً للقدرات البشرية من علماء ومطورين وتقنيين.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما مصير هويتنا الثقافية العربية في ظل هذه المتغيرات التي اجتاحت بلادنا كما اجتاحت غيرها من بلدان العالم؟
بلادنا العربية ـ كما تعلمون ـ وعلى رأسها الأردن تستورد هذه التكنولوجيا وتعظمها، وفي ظل غياب دور الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي وأجهزة الإعلام والمكتبات، نجد بأن شبابنا
لا يستخدمون الوسائط التقنية الحديثة كوسيلة معرفية تتيح لهم الاتصال بمصادر المعارف العلمية والثقافية بقدر ما يستخدمونها كوسائل ترفيه وتسلية مثل: برامج الثرثرة (chatting) وفي البحث عن المواقع الإباحية التي لا تزيدهم إلا ضياعا وضلالا وتقتل وقتهم وتنهك أجسامهم.
فالأسرة مسؤولة عن الرعاية والإرشاد وكذلك التقويم لأنها لبنة المجتمع الأولى، وأفرادها صورة من صور المجتمع، ودور الأسرة مراقبة سلوكيات أبنائهم، وتقويمها في الوقت المناسب، وإعطاؤها الأولوية في حياة الأسرة، فبمجرد أقل تغيير تنشط الأسرة في تقويمه، والعودة بأفرادها إلى نبع الحياة كما يريدها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما يجب نزع بذرة الشر من قلوب أبنائهم خشية أن تستشري في غيرهم، بتقويمهم، وإعادتهم للطريق المستقيم، ومهما حاولوا فلن يزيلها إلا حوار مفتوح بأدب، وإيمان صادق، وإخلاص نابع من رؤية حقيقية لطبيعة الدور الذي يجب أن يكون عليه المسلم في الحياة.
أما المعلم، والذي نعتبره ميسراً للعملية التعليمية، وموجهاً للفكر، ومشرفاً أكاديمياً، ورائداً اجتماعياً، وصاحباً لمدرسة علمية ذات توجه متميز على المستويين النظري والتطبيقي، وباحثاً ، كل هذه الأدوار وغيرها جعلت من تدريب المعلمين أثناء الخدمة ضرورة ملحة لمواكبة تلك التطورات في جميع مجالات العملية التعليمية ، وذلك بغية تمكينهم من إتقان الأدوار الجديدة التي ينبغي أن يضطلعوا بها.
ولا مناص من ضرورة تحديث المناهج التعليمية، وتغيير المنهج التلقيني السائد لمصلحة المناهج الجديدة التي تلائم احتياجات لم يعد لها من أمل سوى اللحاق بركب العصر وإلا انهارت إلى الأبد. كما تتحمل عبء تنشئة الأجيال الجديدة على حرية البحث العلمي والتفكير الناقد والإبداعي ، كي تتمكن من استخدام الوسائط الحديثة وهي مؤهلة لها ومسلحة بالوعي اللازم الذي يمكنها من ترشيد استخدام هذه الوسائط.
ويرى البعض أن دور المؤسسات الدينية وعلى رأسها المسجد قد تراجعت عن السابق فكيف يمكن أن تستفيد المساجد من الثورة التكنولوجية وعلى رأسها الشبكة العنكبوتية(الانترنت) في تفعيل دورها وقيامها بدور أكبر في الجوانب التي تعود على الإسلام والمسلمين بالنفع.
وعصرنا الحالي يشهد تطوراً هائلاً في وسائل الإعلام وخاصة في مجال التكنولوجيا والاتصال ولعل أكثرها شيوعاً استقبال البث المباشر بواسطة اللاقط الهوائي ( الدش)
ولا يخفى علينا جميعاً أن ما تبثه تلك القنوات يخالف في مجمله الدين الإسلامي ويخالف ما نشأنا عليه من قيم وعادات وتقاليد مستمدة من شريعتنا الإسلامية مما يجعلنا نشعر بالخطر الجسيم المحدق بنا , وحرصاً على سلامة الفطرة النقية لأبنائنا وإبعادهم عن البرامج الهابطة التي تخاطب الغرائز وتخالف الدين, تقع على الوالدين مسؤولية كبيرة في التربية , وفي تحصينهم منذ الصغر بالدين الإسلامي ليتمكنوا من مواجهة هذا الخطر .
فعن طريق التربية الإسلامية الصحيحة نستطيع أن نربي النشء المسلم على قواعد تربوية متينة تمكنهم من مواجهة خطر الإعلام بحيث يستطيع أن يميز بين ما هو ضار وما هو نافع وبالضمير الحي لن يسمح لنفسه بمشاهدة أو سماع ما يخالف الدين وبذلك يكون الأمر الأساسي هو تكوين الحصانة في نفوسهم .
وفي الختام نؤكد أنه لا بد من تضافر جهود مؤسسات المجتمع الدينية والتعليميّة والإعلاميّة والأمنيّة والصحيّة والاجتماعية لمواجهة تلك الآثار السلبية لتقنيات الاتصال والإعلام الحديثة، وتوعية جميع أفراد المجتمع بها علما بأن هذه الجهود لن تثمر منفردة بل يجب أن تتكافل وتدعم بجهود أسرية واعية ولهذا نسأل الله العلي القدير السداد والتوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
Dr.atiehjo@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق