الجمعة، 25 مارس 2011

التّسول تعريفه ـ أسبابه ـ أساليبه ـ علاجه إعداد د. عطيه أبوالشيخ


مقدمة :
يعتبر التسول ظاهرة اجتماعية دخيلة على المجتمع ومن التشوهات الاجتماعية التي تؤثر عليه وتعتبر انحرافا عن السلوك السوي وخروجا عن العادات التقاليد والقيم السائدة في المجتمع والتي تحث على العمل وكفالة المسنين والعجزة والأيتام . وانتشار هذه الظاهرة ومن ناحية أخرى يعتبر التسول إفراز نتيجة للفقر ويحتاج لمعالجات مما يؤثر على الحركة الاقتصادية حيث يعيش عددا كبيرا من الأشخاص عالة على أفراد المجتمع مما يعطل حركة النمو و التطور الاقتصادي .
وتنتشر هذه الظاهرة في المدن الكبيرة خاصة عمان والمدن الكبيرة فيتبعون الوسائل غير المشروعة التي تمكنهم من العيش في هذا المجتمع وينعكس ذلك على سلوكهم وتصرفاتهم فيضطرون إلى ممارسة التسول بكافة الأنماط المختلفة .
تعريف التسول:
التسول هو طلب مال، طعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال ، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة أوضح أشكالها تواجد المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالبا مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف على الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة وغير ذلك. "من مال الله يا محسنين" ، "حسنة قليلة تدفع بلايا كثيرة" وغيرها من كلمات المستعملة من المتسولين لاستدراج عطف وكرم الآخرين.
الطفل المتسول : هو ذلك الطفل الذي لم يبلغ سن الرابع عشر بعد ، ويتخذ من استجداء الناس وسيلة للحصول على المال ويؤدي مظهره الشخصي إلى رثاء الآخرين وعطفهم عليه ويقوم بهذا السلوك عن قصد وبشكل متكرر ومنتظم ويحدث هذا السلوك نتيجة لإجبار الوالدين والقائمين على رعايته للعمل على التسول .
ماهية التسول في اللغة العربية
لقد تبين لي بعد الرجوع إلى كتب اللغة: أن هذه الكلمة تطلق على معان متعددة، منها:
1) السؤال والاستعطاء والاستخبار.
جاء في لسان العرب): (سألته الشيء: بمعنى استعطيته إياه، قال عز وجل وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ(سورة محمد،36)، وفي الحديث أنه نهى عن كثرة السؤال .. قيل: هو سؤال الناس أموالهم من غير حاجة، وسألته عن الشيء وبه: استخبرته، قال عز وجليَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وقال عز وجل فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً، وفي الحديث: إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته.
وقال أبو البقاء الكفوري: (والسؤال: هو استدعاء معرفة، أو ما يؤدي إلى المعرفة، أو ما يؤدي إلى المال، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان، واليد خليفة له، بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللسان خليفته لها، إما بوعد أو برد).
2) الإغواء مع التزيين والتحسين للشيء حتى ولو كان قبيحاً
ومنه قوله تعالى: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ،أي زينت وحسنت. وقال الزبيدي: (وسول له الشيطان: أغواه)، قال الله تعالى: الشَّيْطَان سول لهم وأملى لهم، ونقل الزبيدي عن الراغب قوله: (التسويل): "هو تزيين النفس لما حرص عليه، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن"، وقال ابن الأثير: (والتسويل: تحسين الشيء وتزيينه وتحبيبه إلى الإنسان، ليفعله، أو يقوله).
3) الاسترخاء: قال ابن فارس : (سول: السين والواو واللام: أصل يدل على استرخاء في شيء، يقال: سول يسول سولاً).
4) التمني: (التسويل: تفعيل من التسول، وهو أمنية الإنسان يتمناها، فتزين لطالبها، وغيره من غرور الدنيا).
ولا تعارض بين هذه المعاني جميعاً، فإن منها: ما يعبر عن حقيقة التسول، وهو الأول، ومنها: ما يعبر عن تصور المتسول لمشروعية ما يصنع، وهو الثاني، ومنها: ما يعبر عن نتيجة التسول، أو عاقبته، وهو الثالث والرابع. وكأن التسول سؤال المرء الناس، الناشئ من الإغواء المتمثل في التزيين والتحصين لهذا السؤال، والذي عاقبته الاسترخاء وتمني الغني والثراء.
ماهية التسول في الشريعة الإسلامية
لم استطع الوقوف على تعريف للتسول في كتب الفقه أو في غيرها، ويبدو لي: أن هذه الكلمة لم يكن لها المدلول الذي تدل عليه اليوم، ولكنها معروفة في العرف الإسلامي باسم السؤال وهو: طلب صدقات الناس، وفيه: السائل، وهو: الذي يطلب لنفسه صدقات الناس.
ويمكنني أن أعرف التسول في ضوء ما تقدم في المعنى اللغوي والواقعي الذي نراه، فأقول-كما هو في تصوري-: التسول: هو حالة نفسية تحمل المرء على السؤال ، سواء أكان هذا السؤال مشروعاً أم غير مشروع-هذا هو المعنى العام-.
فإن كانت هناك حاجة مشروعة فالسؤال مشروع، لكنه على كل حال تسول، وهو مخصوص بشئون المال، وليس في شئون العلم وما لابد منه.
ولعل الذي يتفق مع إنما هو المذموم منه، ومن هنا نقول: إن التسول الذي لا يرضى عنه الشارع ولا تقره القوانين الوضعية هو: (حالة نفسية تحمل المرء على أن يتخذ السؤال حرفة، فيقعد عن العمل، ولا يستغل ما وهبه الله من طاقات وإمكانات لسد حاجته وحاجة من يعول.
أهم أسباب التسول:
هناك أسباب كثيرة، ودونك أهمها:
1) البطالة: فإن التسول ينشأ أول ما ينشأ عن البطالة، إذ القاعد عن العمل، وليس له منهاج يقضي فيه فراغه يفكر أو ما يفكر في سد حاجاته من طرق، ومنها: التسول.
2) الطمع والجشع: وقد يكون المرء في عمل يكفيه، ولكنه جشع، فيه طمع، لا يشبع أبداً، إذ يقول  : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
3) سوء التنشئة في البيت: وقد ينشأ الإنسان في بيئة بنت حياتها على التسول وعدم العمل، فيقتدي بمن يكبرونه في هذا البيت، بل ربما يدفع من قبلهم دفعاً، فيعتاد التسول.
4) سوء التوجيه والتربية في المدارس والجامعات: وقد يكون سوء التوجيه والتربية في المدارس والجامعات والمعاهد من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى التسول. إما: بكثرة الرسوم المفروضة على الطلاب مع قلة مواردهم، وإما: بعدم توجيه الطلاب إلى أن يكونوا أعزة، يكسبون قوتهم بجهدهم وعرقهم، دون أن يكون لواحد من البشر عليهم منة، وإما: غير ذلك.
5) انحراف المجتمع: وقد يكون انحراف المجتمع وبعده عن الجادة والطريق القويم من الأسباب التي تؤدي إلى التسول، إذ أسباب الإغراء والفساد كثيرة، والموارد قليلة، ويفكر المرء في إشباع شهواته ورغباته، ويسلك طرقاً، ومنها: التسول.
6) كثرة الأولاد مع قلة الموارد: وقد تكون كثرة الأولاد مع قلة الموارد من الأسباب التي تؤدي إلى التسول، وهذا لا يعني أننا ندعو إلى إيقاف النسل، أو تنظيمه بغير مبرر، وإنما نحكي واقعاً، وفرق بين حكاية الواقع وبين الحكم الشرعي.
أهم آثار التسول على الفرد والمجتمع
1) استمرار البطالة أو الخمول والكسل وعدم العمل:
أجل، إن التسول قد يدفع إلى البطالة، مادام المتسول يحصل على المال من غير جهد، ولا مشقة، ولا عناء، فلماذا العمل؟ فكأن التسول طريق إلى البطالة، والبطالة طريق إلى التسول؛ لأن البطالة نوعان:
1- بطالة ولا عمل.
2- بطالة مع وجود العمل: فالبطالة هنا مصطنعة، فإذا كان مصدر البطالة هو عدم وجود عمل فإنها ستؤدي إلى التسول، أما إذا كان مصدرها هو عدم حب العاطل للعمل مع كونه موجوداً، فإن ذلك هو التسول، ومثل هذا التسول يؤدي إلى البطالة، فقد يكون من آثار التسول البطالة، وقد يكون من آثار البطالة التسول.
2) ذل المتسول نفسه: حيث يصاب بحال من الذل؛ لأنه لا يأخذ حاجته إلا بعد انتهار الآخرين له، أو احتقارهم وازدرائهم له. ولذلك كانت دعوة الشارع للمسلم، أن لا يعطي الصدقة مقرونة بالمن والأذى، قال الله تعالى: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى. ومتى أصيب الإنسان بالذل وتعود عله، سهل على العدو أن يخضعه لما يريد، لأنه استمرأ الذل والهوان، وصارت سجيته: أنه لا يستطيع أن يعيش إلا في هذا الجو من الهوان.
3) سقوط هيبة الأمة من أعين الأعداء: ذلك أن التسول مظهر غير حضاري يكشف عن خلل في الأمة: إما فقر، أو سوء توزيع، أو عدم العناية بالمؤسسات العاملة، أو تشجيع للجريمة، وهذا كله ينتهي إلى سقوط الأمة من أعين أعدائها حتى صار ينظر للمسلمين اليوم على أنهم العالم المتخلف، ويطلق عليهم العالم الثالث.
4) شيوع الجريمة: ذلك أن المتسول يحصل على المال، وقد يكون فوق حاجته من غير جهد ولا تعب، ويفكر في صرفه، وتكون الشهوات هي الباب المفتوح أمامه، فتقع الجريمة، وتشيع وتنتشر: من شرب الخمر، أو فعل الزنا، أو سفك الدماء، إلى غير ذلك من الجرائم.
أنماط التسول بصفه عامه :
1. التسول المباشر وهو تواجد المتسولين حول الأماكن العامة والمدارس ودور العبادة والمستشفيات والأسواق .
2. التسول عن طريق استقلال الأطفال صغار السن .
3. التسول عن طريق المعاقين .
4. التسول قرب دور العبادة والمستشفيات بطلب المساعدة لعلاج مريض أو إعانة اسر أو سفر .
5. ظاهرة تشرد النساء.
أساليب التسول :
طرق التسول المختلفة:
تختلف أوضاع وطرق التسول من في العالم، ففي الهند مثلا هناك مدينة للمتسولين، لها قوانينها وشريعتها وطريقة العيش فيها. في البلاد الشرقية والمسلمة منها يختار المتسولون أماكن العبادة والجوامع والأضرحة مكان لممارسة عملهم، وفي الدول الغربية تجد المتسولين في أنفاق المترو وقرب الساحات العامة والمتاحف يمارسون عملهم بطريقة أخرى من خلال العزف والغناء أو ربما الرسم
أ/ الأساليب المباشرة للتسول:
1/ طلب الإحسان المباشر
2/ التسول بالمستندات.
3/ التسول بتلاوة القران والمدائح والقصائد.
4/ التسول بسرد ظرف طارئ .
5/ التسول باستدرار العطف .
6/ التسول بأساليب أخرى .
ب/ الأساليب غير المباشرة للتسول:
1/ مسح زجاج السيارات.
2/ ردم الحفر في الشارع.
3/ الإمساك بالملابس.
أماكن التسول:
1/ دور العبادة
ب/ المستشفيات.
ج/ دور العلم.
د/ تجمع المواصلات (المواقف).
هـ/ الأسواق والأماكن العامة .
أسباب التسول :
1. الكوارث الطبيعية.
2. البطالة
3. الأمراض المزمنة.
4. الهجرة الوافدة من دول الجوار بسبب الحرب والفقر.
5. مروءة وكرامة الشعب السوداني ( الأثر السلبي )
6. انتشار ظاهرة الفقر
7. أخرى.
طرق معالجة التسول في ضوء الشريعة الإسلامية:

الطريق الأول: تحريم التسول وسد أبوابه إلا في ظروف استثنائية.
الطريق الثاني: الحث على التعوذ من الفقر والترغيب في الاستعفاف والصبر وغنى النفس
الطريق الثالث: تحريم الاكتناز وإيجاب الزكاة.
الطريق الرابع: الحث على الصدقة والإنفاق والتحذير من البخل.
الطريق الخامس: الحث على قضاء حوائج المحتاجين.
الطريق السادس: توفير الكفاية وجوباً من غير طريق الزكاة والصدقة.
الطريق السابع: الحث على إعطاء الأجراء أجورهم وتحريم المماطلة في الحقوق.
الطريق الثامن: الحث على إنظار المعسر إلى حال الميسرة.
الطريق التاسع: كفالة الدين والحث على التصدق على المدين سداداً لدينه.
الطريق العاشر: الحث على كفالة الأيتام والأرامل والمساكين ومن في حكمهم.
الطريق الحادي عشر: الحث على الهدية والهبة والوصية ونحوها.
الطريق الثاني عشر: الحث على التوسط في الإنفاق وعدم الإسراف.
الطريق الثالث عشر: الحث على إطعام الطعام عموماً وخصوصاً.
الطريق الرابع عشر: الكفارات.

طرق معالجة التسول في القوانين الوضعية المعاصرة نقدها
لم تعالج أنظمة الضمان الاجتماعي في القوانين الوضعية موضوع التسول، لأنه ليس من أصحاب الحاجات، غاية ما في الأمر، أنها اعتبرت التسول وصفاً غير أخلاقي؛ لأن فيه مظنة من يدعى الحاجة وليس أهلاً لذلك، وقد نصت معظم القوانين على إلحاق العقوبة بالمتسول. فنجد مثلاً في القانون: يعتبر التسول جريمة يعاقب عليها القانون، وتفصيل ذلك كما يأتي:
• أولاً: (يعاقب من وجد متسولاً في الطريق العام، أو المحال العمومية، أو الأماكن العمومية، حالة كونه صحيح البنية، ويبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً فأكثر، بالحبس لمدة لا تتجاوز شهرين).
• ثانيا: ويعاقب من وجد متسولاً في الطريق العام، حالة كونه غير صحيح البنية، وغير قادر على العمل، ويبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً فأكثر، في مدينة نظمت بها ملاجئ يمكن إلحاقه بها، بالحبس مدة لا تتجاوز شهراً.
• ثالثاً: ويعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور كل من ارتكب الجرائم الآتية:
1- من وجد متسولاً –وهو صحيح البنية- وتصنع الإصابة بجروح أو عاهات، أو أي طريقة أخرى، لاكتساب عطف الجمهور.
2- من دخل منزلاً أو ملحقاً بدون إذن، ويقصد التسول.
3- من وجد متسولاً ومعه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش، ولم يستطع إثبات مصدرها.
4- من أغرى حدثاً يقل سنه عن ثمانية عشر عاماً على التسول، أو استخدامه أو سلمه لغيره بقصد التسول.
• رابعاً: ويعاقب كل من كان مسئولاً عن الحدث، سواء بصفته ولياً، أو وصياً، أو مكلفاً بملاحظة حدث تقل سنه عن ثماني عشرة سنة، وأغراه على التسول بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور.
• خامساً: ويعاقب في حالة العود بالنسبة لأى جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون التسول بالحبس لمدة لا تتجاوز سنة.
وكذلك القانون الفرنسي فقد نص على معاقبة المتسول، فقد جاء في المادة (227) من القانون الجنائي فقرة (20) ما نصه:
(كل من حرض حدثاً لم يكتمل من العمر 18 عاماً بشكل مباشر على القيام بأفعال التسول، يعاقب بالحبس الذي لا يزيد على سنتين، وبالغرامة التي لا تزيد على 300000 فرنك، وإذا كان سن الحدث لا يجاوز 15 سنة تصبح العقوبة الحبس، الذي لا يزيد على ثلاث سنوات، والغرامة التي لا تزيد على 500000 فرنك).
وكذلك القانون الأمريكي، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الأعوام من سنة 1800م وما بعدها تجرم التشرد، وتعاقب على التسول، والكسل وكذلك على السمعة السيئة، بل أيضاً على مجرد التسكع في الشوارع، دون وجود سبب مشروع لذلك (1).
وكذلك القانون الكويتي، فقد جاء في قانون الجزاء الذي وافق عليه مجلس الأمة –وهو قانون رقم (3) لسنة 1983م في شأن الأحداث- في الباب الأول تحت عنوان: أحكام عامة: مادة (رقم واحد):
I) الحدث: كل ذكر أو أنثى لم يبلغ من السن تمام السنة الثامنة عشرة.
II) الحدث المنحرف: كل حدث أكمل السنة السابعة من عمره، ولم يبلغ تمام الثامنة عشر، وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون.
V) الحدث المعرض للانحراف: يعتبر الحدث معرضاً للانحراف إذا وجد في أى من الحالات الآتية:
1- إذا وجد متسولاً، أو مارس عملاً لا يصلح مورداً جدياً للعيش.
نلاحظ أن هذه القوانين قد نصت على إلحاق العقوبة بالمتسول، ولم تنظر إلى حل مشكلته، ولم توجهه الوجهه الصحيحة، ولم ترسم له الطريق السليم، وكان عليها أن تلفت نظر المتسول إلى أن هذا العمل لا يليق بالإنسان السوي، وأنه يجب عليه أن يستخدم جهده، وأن يعمل لحفظ ماء وجهه، وعدم سقوطه في المذلات، وأن تخوفه من الله تعالى، وأن تفهمه أن الذي يسأل وهو غير محتاج إنما يأكل أموال الفقراء والأيتام والمساكين بغير حق، وأن هذا العمل ظلم للآخرين.
إن النظام الإسلامي عندنا –نحن المسلمين- يبحث مع التسول- أو ما يبحث- عن الأسباب التي حملت المتسول على السؤال، هل هي مشروعة؟ أو غير مشروعة؟ ثم في نهاية الأمر يعالج هذا المتسول:
• مرة بلفت النظر إلى أن هذا العمل مشين.
• ومرة بإيجاد فرصة عمل له.
• ومرة بإعطائه كفايته إن كان صحيحاً ما يدعيه.
• ومرة بالتخويف من عاقبة هذا السؤال في الدنيا والآخرة، وبأنه سحت، وأنه خموش وكدوح، في وجه السائل يوم القيامة.
• آخر الأمر يكون العقاب إذا ما ثبت كذبة وادعاؤه، والعقاب هنا متروك لولي الأمر، أو نائبه، يقدره حسب حجم الآثار المترتبة على السؤال، فليس له شئ ثابت، وإنما يختلف من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى بيئة حسب واقع الحال.
ونحن لا ننكر معاقبة المتسول –انتهاء- بعد ثبوت كذبة واختلافه للأعذار، واعتدائه على حقوق الفقراء، لكن ننكر أن يكون البدء بعاقبة، فالعقاب يكون آخر شئ ، وآخر الطب الكي.
والحاكم الإسلامي يوقع به تعزيزاً، كأن يضعه في السجن، أو في مكان آخر، ويوفر له طعامه وشرابه، ونحو ذلك، وخلال ذلك يعلمه مهنة أو حرفة أو إذا كان له حرفة، يوجد له عملاً؛ لكي يتعود بذل الجهد والكسب والعمل، وبعد فترة من الزمان ينسى المتسول الذي كان فيه من التسول ونحو ذلك، فعلاج التسول عن طريق العقوبة ابتداء في القانون الوضعي يعتبر نقطة ضعف؛ لأنه لم يعالج المسألة إلا بالعقاب، وكأنه ليس عنده إلا هذه الوسيلة الواحدة، والواقع –كما قلنا-: أن العقاب آخر ما يفكر فيه، لا أول ما يبدأ به.


لكن أعود وأؤكد أنه لا بد من توحيد الصف وجمع الكلمة بين الناس للقضاء على ظاهرة التسول التي طالما أقلقت الجميع .
ومن كان لديه فضل مال ، فلا يلق بماله في الهواء هباءً منثوراً ، بل يبحث عن أهل الحاجة والفاقة الذين لا يسألون الناس إلحافاً ، فتراهم متعففين ، لا يمدون أيديهم لأحد ، حياءً وخجلاً ، ومن لم يعرف تلك الفئة من الناس ، فليدفع زكاته وصدقته التطوعية إلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية المعنية بمثل تلك الأمور ، حتى يضع المسلم ماله في أيد أمينة توصله لمستحقيه بإذن الله تعالى .
وأشير هنا إلى أن من كان بحاجة ماسة إلى سؤال الناس ، فلا بد أن يكون هناك تنظيم مسبق ودقيق ، بحيث يذهب للجهات ذات الاختصاص ويقدم معروضة ، ويشرح مسألته ، فيُعطى ما يجيز له أن يسأل الناس عن قناعة واستحقاق ، وأن تجمع تلك الأموال لدى تلك الدائرة المعنية بالأمر ، فإذا تحقق المراد وتم جمع المبلغ المطلوب سُلم له وانصرف ، أما أن يُترك الأمر هكذا لا خطام ولا زمام ، فستقع كوارث وفتن ، والحال خير شاهد على ذلك .
ولطالما وقفت الدولة وفقها الله في وجه تلك الظاهرة الخطيرة ، والدخيلة على بلادنا ، ولطالما حثت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كل مواطن ومقيم للتصدي لمسالة التسول ، حفاظاً على أمر الدين في نفوس الناس ، ولقد حثت وزارة الشؤون الإسلامية أئمة المساجد للتصدي لهذه الظاهرة الغير حضارية ، وحث المصلين للوقوف صفاً واحداً في وجه من يريد المساس بعقيدة أهل هذه البلاد من متسولين وغيرهم .

وفي الختام أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في لم شعث هذا الموضوع المؤرق ، ونسأل الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه ، أن يمن على أمة الإسلام بالنصر والتمكين والظهور على أعدائها ، كما نسأله سبحانه أن يرزق الجميع القناعة والكفاف ، وأن يجعلنا هداة مهتدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق