الاثنين، 11 يوليو 2011

نشر هذا المقال في مجلة منبر الأمة الحر عدد فلسطين الأخير

المسيحيون في فلسطين

تعتبر المسيحية إحدى الديانات السماوية الثلاث ونبيها عيسى بن مريم عليه السلام ويعتبر أتباع الديانة المسيحية اليوم هم الأكثر في العالم يليها أتباع الديانة الاسلامية، والمسيحيون جزء لا يتجزأ من هذا الوطن العربي الكبير، بل هم في كثير من الأقطار العربية أهل البلاد الأصليين، وجذورهم عميقة في أرضها ونجد أن الكثير من العائلات في فلسطين والأردن وغيرها تجمع الديانتين والكثير من العائلات المسلمة لا تزال جذورها في عائلات مسيحية، والمسحيون ينتمون إلى هذه الأرض وهم جزء لا يتجزأ من تركيبتها السكانية. وفي ظل الظروف الراهنة ليسوا في ذمة المسلمين أو في كنفهم وحمايتهم كما كانوا في عهد الخلافة الاسلامية فاليوم لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات .
المسيحية في الوطن العربي:
الوجود المسيحي العربي له علاقة بتاريخ المسيحية في المنطقة العربية منذ العصر الجاهلي، فأغلب العرب الجاهليين الذين عاشوا قبل المسيح عليه السلام كانوا لا يتبعون دينا محددا، ولكن بعد مجيء المسيح تحول بعضهم إلى اعتناق المسيحية؛ ومن أبرز القبائل العربية التي اعتنقت النصرانية الغساسنة والمناذرة؛ وذلك لقربهم من حدود الإمبراطورية البيزنطية آنذاك.
كانت هناك حركة مسيحية فكرية في مرحلة التكوين في شبه الجزيرة العربية، وشرق الأردن وجنوب فلسطين، حيث تم اكتشاف اقدم نقوش بالخط الكوفي العربي على أبواب الكنائس.
أما الوجود المسيحي العربي تمركز في شرق الأردن، والجنوب الشرقي الفلسطيني (منطقة البحر الميت)، والجنوب الغربي لفلسطين (النقب)، وثبت من خلال الدراسات أن الكنيسة في العراق كانت متمسكة باللغة السريانية، وفي مصر بالقبطية، أما في فلسطين جرت اكبر محاولة لتعريب اللاهوت المسيحي، وذلك في القرن التاسع عشر، قام بها رهبان دير مار سابا التاريخي، شرق بيت لحم، بعد انتشار الحضارة العربية في فلسطين.
بعدها كان هناك وجود مسيحي عربي مهم في فلسطين والعالم العربي، وفي مصر يمكن أن يكون الأقباط امتدادا للوجود القبطي، وفي لبنان امتدادا للوجود الفينيقي، وفي العراق للآشوريين، أما في فلسطين، فالمسيحيون امتداد للوجود العربي، وهذه خصوصية فلسطينية مهمة.
المسيحيون والقومية العربية:
لعب المسيحيون العرب دوراً كبيراً في إحياء الفكرة القومية وبعث روح العروبة ، لأسباب تتعلق بالبحث عن هوية قومية تسمح بالمساواة بينهم وبين المسلمين؛ وتمنع تمييزهم عن غيرهم، وهذا القول ينطبق بالدرجة الأولى على مسيحيي الشام سواء كانوا من الموارنة أو الروم الأرثوذكس أو الروم الكاثوليك أو غيرهم من الطوائف المسيحية الأخرى.
ويرجع بعض الباحثين حمل مسيحيي الشام لواء القومية العربية لأن المسيحية العربية في منطقة بلاد الشام هي امتداد لقبائل عربية قبل الإسلام، كان من أهمها كما ذكرنا الغساسنة والمناذرة.
ولهذا يقولون أن أصولهم العربية تسبق ظهور الإسلام، وتجعل العروبة هوية تاريخية أصيلة من دون النظر إلى اعتناقهم الإسلام أو بقائهم على دين آبائهم وأجدادهم.
ولهذا كانت نسبة كبيرة من رواد حركة القومية العربية ومؤسسي الأحزاب القومية من بين المسيحيين العرب .
المسيحية والاسلام:
يقيم القرآن الكريم نظاما خاصا لليهود والمسيحين ويدعوهم أهل الكتاب ويقر بوجودهم في المجتمع الاسلامي ويثني عليهم في مواضع عدة ويميز بشكل خاص المسيحيين ويذكر صراحة أنهم الأكثر مودة للمسلمين، والدليل على ذلك العهدة العمرية التي بين الخليفة عمر بن الخطاب و المسيحين في فلسطين، ويعتبر المسلمون أن تجاوز بعض الولاة المسلمين أو بعض الأفراد أو بعض الجماعات من المسلمين في معاملاتهم لغير المسلمين إنما هي تصرفات فردية شخصية لا تمت لتعاليم الإسلام بصلة ، ولا علاقة لها بمبادئ الدين الإسلامي وأحكامه ، فإنصافاً للحقيقة يعني ألا ينسب هذا التجاوز للدين الإسلامي ، وإنما ينسب إلى من تجاوز ، وهذا الضبط يتساوى مع رفض المسيحية للتجاوزات التي حدثت من الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك ضد المسيحيين الأرثوذكس.
المسيحية واليهود:
العلاقة بين اليهودية والمسيحية معقدة ومتشعبة، فالمسيحية أخذت مفاهيمها الأوليـــة من بيئة الديانة يهودية، أما العلاقة الانسانيـة بين الطرفين فقد اتسمت بالتقلب عبر التاريخ فقد اضطهد اليهود المسيحيين منذ المساعدة في صلب المسيح ولاحقــــا قام ذو نواس اليهودي بقتل مئات الألوف من المسحيين في اليمن.
وفي القرن الرابع أخذت المسيحية باضطهاد اليهودية ، وطرد اليهود أولاً من الاسكندرية وعاشوا خلال الامبراطورية البيزنطيةخارج المدن الكبرى .
أخذت العلاقة تتحسن بين المسيحيين واليهود في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وتوج هذا التحسن بنشوء المسيحية اليهودية في الولايات الامريكية المتحدة ودعمهما لقيام دولــة اسرائيل لأسباب دينية حيث تم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الفاتيكان واسرائيل تلاها زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للقدس عام 2000م. ورغم هذا التحسن لا تزال هناك خلافات بين اليهود والمسحيين حول ملكية بعض المقدسات في فلسطين.
لم تقتصر الانتهاكات الصهيونية على المسلمين وأماكن العبادة الإسلامية بل تعدت ذلك إلى المقدسات ورجال الدين ، وفي ما يلي بعضاً من هذه الانتهاكات: الحصار الجائر على كنيسة المهد في بيت لحم إبان الانتفاضة الفلسطين وتعرض كنيسة بئر يعقوب في نابلس عام 1967 م للاعتداء وقتل راعيها الأب فيليمنيوس وتعرض كنيســة القيامة في القدس للعديد من عمليات السرقة والســطو، وهدم كنيسة المصعد المقامة على جبل الزيتون في القدس عام 2000م. وقصف كنيسة مار نقولا في بيت لحم ودمر جزءاً كبيراً منها عام2001 م.
الهوية المسيحية في فلسطين:
الهوية الفلسطينية، هوية ديناميكية، أثبتت عبر التاريخ بأنها تتأقلم وتتطور، واستطاعت استيعاب الحضارات التي مرت على فلسطين، مثل الكنعانية والرومانية والبيزنطية واليهودية والعثمانية وغيرها.
وأصبحت الان حضارة عربية فلسطينية الوجه، أو نستطيع القول بان لها ثلاثة وجوه: الانتماء لهذا الوطن، والانتماء لهذا التراث، والمعاناة التي تلعب دورا كبيرا في بلورة الهوية الفلسطينية، بشكل خاص يشترك فيه المسلمون والمسيحيون.
يعرف المسيحيون العرب بانتمائهم للهوية العربية بشكل عام عن طريق النسب، أو بأنهم ولدوا وعاشوا في المنطقة العربية؛ أو يتحدثون اللغة العربية.
المقدسات والآثار المسيحية في القدس:
منذ انطلاقة دعوة السيد المسيح (عليه لسلام) أصبح للنصارى ارتبــاط وثيق بالقدس التي شهدت العديد من الحوادث التاريخية المرتبطة بدعوته وإن اقتصر هذا الارتبـاط طيلة القرون الثلاثة الأولى للميلاد على معانٍ روحية ولم يتصل عمران القدس بالمسيحيــة إلا بدءاً من منتصف القرن الرابـــع الميلادي عندما جاء الإمبراطور قسطنطين إلى الحكم (274-337م)وأصدر مرســوم ميلان الشهير في عام 313 باعتبار المسيحيـة ديانة الدولـــة ويعود الفضل إلى أم الإمبراطور قسطنطين الملكة هيلانة التي عرفت فيما بعد بالقديسة هيلانة فقد التقت مع مطران مدينة إيليا (القدس) الذي حدثــها عن حالة أورشليم السيئة فقررت زيارتها وغادرت القسطنطينيـــة في عام 326م، ومعها الأموال التي زودها بها ابنها الإمبراطور لإعمارالقدس وباشـرت بنفسها عملية بناء الكنائس.
ومن أشهر المقدسات كنيسة القيامة، دير أبينا إبراهيم ، دير يوحنا المعمدان، دير السلطان للأقباط الأرثوذكس، ديـر مار انطونيوس(للأقباط)، دير القديس يعقوب الكبير(الأرمن)، كنيسة القديسة حنـة كنيسـة القديس توما، كنيســة الثلاث مريمات (للأرمن)، ويصل عدد المقدسات في القدس وحدهـا تسعـة وعشرون مكانــا دينيا مسيحيا.
دور الهاشميين في حماية المقدسات المسيحية:
العلاقة وطيدة بين القدس وبين المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) وأحفاده وبخاصة الأشراف من بني هاشم وثقت من زمن المعراج وحتى عهد جلالـة الملك عبد الله الثانـي ابن الحسين، لقد اثبت كل الهاشميين أنهم الأصدق وفاءا للعهد والأشد حفاظا على الأمانـة، بالأمس القريب ترأس جلالــة الملك اجتماعا لبحث السبل الناجعة للحفاظ على هويـــة القدس، وتثبيت المقدســين من مسلمين ومسيحيين على أرضهم، ووقف كل ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات وعدم السماح للعدو بأي إجراء يغير من معالم القدس التاريخية والدينية ، وضرورة الحفاظ على هويتها العربية الإسلامية والمسيحية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق