الأربعاء، 27 أبريل 2011

الطين


هذه القصيدة كتبها الشاعر إيليا أبو ماضي بعد هجرته الى الغرب , حيث وجد التفرقه جلية واضحة , فوجه رسالته الى الانسان الغربي يقول له : لماذا هذا الكبر ؟
واستهل قصيدته بتذكير كل انسان بأن أصله من طين .. هذه الحقيقة التي لا يمكن لأي انسان أن ينكرها مهما استعلى .
ثم بدأ يسرد جوانب الانسانية التي لا تختلف أبدا بين فقير وغني , فالانسان الداخلي بمشاعره واحد مهما اختلفت المظاهر الخارجية , متخللا ذلك بتذكير الانسان بمدى ضعفه في كل مرة فمرة يذكر البعوض ومرة النمل ومرة الفراشة ودودة القز .. وغيرها كل في موضعه الملائم في القصيدة بما يثبت ضعف الانسان


نسي الطين ساعة أنه طين .. **** فصال تيهاً و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى .. و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي .. ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير الذي .. تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا جعت .. و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني .. ورؤى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلامٌ حسانٌ فإنّه غير جلمد

ءأماني كلّها من تراب و أمانيك كلّها من عسجد ؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي .. و أمانيك للخلود المؤكّد ؟!
لا , فهذي و تلك تأتي و تمضي .. كذويها ,و أيّ شيء يؤبد ؟
أيّها المزدهي إذا مسّك السقم ألا تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
و إذا راعك الحبيب بهجر .. ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟ .. و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟ و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟


فلكٌ واحدٌ يظلّ كلينا .. حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا .. و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك , إنّي .. لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم التي تراها أراها .. حين تخفى و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها .. و أنا مع خصاصتي لست أبعد

أنت مثلي من الثرى و إليه.. فلماذا ، يا صاحبي التيه و الصّد ؟
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو .. حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت و لا .. ما كنت ،أو ما أكون يا صاح في غد
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ .. فلماذا تظنّ أنّك أوحد ؟


ألك القصر دونه الحرس الشاكي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا فوقه ، و الضباب أن يتبلّد
وانظر النور كيف يدخل لا يطلب أذنا ، فما له يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه أفتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟
ذدتني عنه ، و العواصف تعدو في طلابي ، و الجوّ أقتم أربد
بينما ***** واجد مأوى و طعاما ، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي أترجى ، و منك تأبى و تجحد


ألك الروضة الجميلة فيها الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي .. شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مُرهُ .. لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري ، و لا فيك للغنى تتودّد


ألك النهر ؟ إنّه للنسيم الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟
كان من قبل أن تجيء و تمضي و هو باق في الأرض للجزر و المد


ألك الحقل ؟ هذه النحل تجني الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمل ملكا كبيرا قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا لم تكن من فراشة الحقل أسعد


أجميل ؟ ما أنت أبهى من الوردة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت و في يديك المهند
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك و مر النضارة تلبث في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟ في أيّ دنيا يولّد ؟
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟ ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟

أيّها الطين لست أنقى و أسمى من تراب تدوس أو تتوسّد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ ، و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى من كساء يبلى و مال ينفد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق